مع ظهور التلفزيون في الوطن العربي وانتقال الصورة بين أقطاره استطاع المشاهدون في كل بقاعه أن يطّلعوا على الأعمال الفنية القليلة التي كانت تنتج في البدايات.
وصارت تلك الأعمال تتنقل بين محطاته، ولا سيما السورية منها كأعمال دريد لحام ونهاد قلعي التي امتد نجاحها إلى مختلف أرجائه.
ومن بين الممثلين الذين شاركوا في تلك الأعمال ياسين بقوش، حيث تعرفت سيدة في منطقة زوارة على الحدود الليبية التونسية على هذا الفنان، وأدركت أنه ابن أخيها الذي انقطعت أخباره منذ سنين طويلة.
الفنان الليبي ياسين بقوش حياته المهنية واهم أعماله المسرحية والتلفزيونية
يقول ياسين بقوش عن هذه المصادفة الغريبة في حياته أنها جعلته يعرف أصوله الليبية، بعدما كان يظن نفسه دمشقيا لكونه ولد وعاش في حاراتها وتكلم لهجة أهلها: راسلتني عمة لي (شقيقة والدي) من زوجة جدي الليبية، بعدما شاهدتني على شاشة التلفاز.
حتى تمكنت من المجيء إلى دمشق عام 1976 وتعرفت إلينا (هو وأخوته)، والتأم شمل العائلة، وعرفتُ أننا من منطقة زوارة، وبعد ذلك عرفتُ أن اسم بقوش جاء من البقاش (في مصر يقولون بكاش) وهي كلمة بربرية تعني الكذاب.
أعمال الممثل الليبي ياسين بقوش بالمسرح
حيث ولد ياسين في عام 1938، وتعلم في مدرسة الأيوبية الواقعة في الحي ذاته.
بعدما شبّ ياسين بقوش نمت ميوله الفنية، وراح يحتاج إلى فضاء يعبر فيه عن ذاته ومكنوناته، فاندفع باحثا عن فرصة يثبت فيه موهبة يقدمها ويحكي فيها هموما يومية، فجاءت هذه الفرصة على يدي عبد اللطيف فتحي (أبو كلبشة) في المسرح الحر بعد تأسيسه عام 1956.
أعمال الممثل الليبي ياسين بقوش بالإذاعة
في عام 1958 استغل ياسين بقوش صوته الأجش الذي يشد السامع بتلوينات متعددة عبر الإذاعة بتقديم مسلسل متعب أفندي من تأليف القصّاص الشعبي حكمت محسن وإخراج تيسير السعدي، معتمدا عليه وعلى الفواصل التي يتركها بين العبارات بأنفاس توحي للسامع بأن شيئا ما سيحدث، فيضفي ذلك تشويقا سماعيا، فأعطاه هذا الصوت بصمة سماعية يميزها المستمع من تنهيداتها وشهيقها وزفيرها.
وعندما تأسس مسرح العرائس عام 1960 واستلم إدارته عبد اللطيف فتحي، انتقل معه بقوش فعملا معا لتقديم عروض مسرحية للأطفال لاقت رواجا كبيرا، ورسخت تقاليد العمل المسرحي الموجه للأطفال، كما تدرب فيه على إخراج الدراما وتحليل الشخصيات على يد خبراء أوروبيين.
وفي العام نفسه (1960) تأسس المسرح القومي، وكان ياسين بقوش من الممثلين الذين توجهوا إليه لتقديم عروض مسرحية، أمست من أهم الأعمال التي قدمت في تاريخ المسرح السوري، فقد عمل في المسرحية الشهيرة سهرة مع أبي خليل القباني للكاتب سعد الله ونوس وإخراج أسعد فضة.
اعمال الممثل الليبي ياسين بقوش بالتلفزيون
في أواخر الستينيات أنشأ الفنان الراحل عمر حجو مسرح الشوك الذي جمع فيه ثلة من أهم الممثلين في تاريخ المسرح السوري وقدموا فيه عروضا عديدة كان أولها مرايا وثانيها جيرك وهما من إخراج دريد لحام، وثالثها براويظ من إخراج أسعد فضة، وعبر تقديم إسكتشات اجتماعية وسياسية ناقدة لاقت ترحيبا واسعا في مختلف الأوساط الشعبية والنقدية.
توقف مسرح الشوك عام 1974، فأسس بقوش شراكة فنية مع يوسف حـ.ـرب وشكلا فرقة أطلقا عليها التجمع النقابي، الفرقة الدرامية التي قدمت مسرحيات كثيرة تجاوز عددها الثلاثين، منها الليلة عرسي وحبي ومستقبل غيري وزوجتي مليونيرة.
بداياته المسرحية مهدت له الانتقال إلى الدراما التلفزيونية بعدما انتشر التلفزيون وصار له جمهور واسع ينتظر المسلسلات والتمثيليات التي يبثها، وقد كانت مشاركة ياسين الأولى في مسلسل رابعة العدوية (1961) ثم مسلسل مساكين (1969).
سار ياسين بقوش في العمل السينمائي إلى جانب أعماله الدرامية مع دريد ونهاد، فاشترك في أفلام عديدة يجسد الشخصية ذاتها بطيبتها وبساطتها، مُركزا تنميطه في إطارها في تلك الأفلام، مثل غزلان (1969) والثعلب (1971) ومقلب حب وشقة ومليون مفتاح ورحلة حب (1972) وعروس من دمشق (1973) وعنترة فارس الصحراء وغوار جيمس بوند” و لغجرية العاشقة والنصابين الخمسة وغراميات خاصة (1974).
وفي العام الذي يليه (1975) شارك في المزيفون والاستعراض الكبير وصح النوم والعندليب، حتى قدم في عام 1980 حارة العناتر وتفضلوا ممنوع الدخول وأمطار صيفية (1984).
منذ منتصف الثمانينيات ضعف العمل الدرامي والسينمائي، كما تفرق أصدقاء دربه، فبقي وحيدا يعمل مع فِرق مسرحية، حتى تمكن من العودة إلى الدراما في أعمال لا ترقى إلى مستواه الفنية مجسدا فيها الشخصية ذاتها، لكن هذه المرة خارج أوتيل صح النوم مثل مسلسل ياسين تورز (1996).
شخصية ياسينو.. بساطة الشعب العربي وسذاجته في مسلسل مع غوار
بنى نهاد قلعي شخصية ياسينو على السذاجة والبساطة، وكثيرا ما كان يقنعه غوار الطوشة بالعمل معه في تدبير مقالبه، معتقدا أنه لا يفعل سوءا بذلك.
وقال بقوش عن هذا الدور: في البداية اعتذرتُ عن أداء دور ياسينو لانشغالي بمسرح الشوك، لكن الفنان نهاد قلعي تحدث معي وقال لي إن هذا العمل مثل مسرح الشوك، فقلت له: كيف ذلك؟ فقال: حسني البورظان يمثل الفكر العربي، غوار يمثل الفكر المتآمر على الفكر العربي، أبو عنتر يمثل عضلات الفكر المتآمر، ياسينو يمثل الشعب العربي الطيب الذي يصدق كل شيء، وفطوم هي الأرض العربية التي سيتم التزاحم عليها في المستقبل.
سرعان ما تنمّط ياسين بقوش في شخصية ياسينو في الأعمال التي أداها، بدءا بـصحّ النوم (1972) وملح وسكر (1973) ووين الغلط(1972)، مروراً بـلكل الناس (1980) وتلفزيون المرح (1981) ووادي المسك (1982)، وصولاً إلى عريس الهنا (1984).
لم يستطع الخروج من الإطار التشكيلي لهذا الدور، ففيه عرف النجاح مع شريكيه، ولو أنه أقل منهما، لكنه صار مثالا للعامل البسيط في أوتيل صح النوم الذي يسلي أبو عنتر نفسه به، ويجعله غوار الطوشة وسيلة لتحقيق مآربه، فقد عبر عن حالة الشعب العربي التي أرادها نهاد قلعي تعبيرا يشير إلى طيبته وبساطته.